يأتي هذا الموضوع على خلفية التحضير لإقامة ورشة عمل ( مؤشرات الأداء في العمل الديني ) .. حيث لاحظت الحاجة الملحةلإعادة النظر و التأمل في طريقة تعاطينا مع الحكم الشرعي والذي يحدد بشكل كبير جدا طبيعةو مستوى المخرجات الحقيقية (outcomes) من عملية تحويل الحكم الشرعي إلى واقع حياتي .
يشير السياق القرآني في سرد قصة بني إسرائيل المتعلق بذبح البقرة ـ والتي شكلت في مجملها أطول سورة في القرآن الكريم ـ إلى وجود خلل كبير في طريق تعامل الأمة الأسرائيلية مع إرادة الله التشريعية على لسان نبيهم موسى على نبينا وآله وعليه السلام، و ما يعنينا هنا هو عملية إسقاط هذا المثال على واقع الأمة الإسلامية في طريقة تعاطيها مع الجانب التشريعي الممثل لإرادة الله تعالى سواءا على مستوى الفرد أو الأسرة أو الطائفة ، و أيضا في مختلف جوانب الحياة الفقهية و السياسية و الأخلاقية و الإجتماعية و غيرها ..
لا يسع المجال للإستطراد كثيرا .. لذلك قد يكون ضرب الأمثلة من واقعنا المعاش أقدر على إيضاح جزء كبير من المفهوم الذي نحوم حوله .
ـ يفجر سلفي سني نفسه في مسجد لإخوانه الشيعة ليلقى الله شهيدا، لقناعته الشرعية بأن الشيعة مشركون و خطرهم على الإسلام أشد من اليهود و النصارى.
ـ يفجر سلفي شيعي فتنة كبرى بسبه الخليفة أبي بكر و عمر و عائشة و يتقرب إلى الله تعالى بذلك ، لقناعته بأنهم سبب انحراف الأمة و حرمانها من الخلافة الشرعية المتمثلة في أهل البيت ع .
ـ يقوم مجتهد بإصدار فتوى تفسق مجتهدا آخر و تحذر من انحرافه و خطره على التشيع حتى بعد موته ، لتبنيه وجهة نظر علمية حول حادثة تاريخية تتعلق بظلامة الزهراء ع ، تحت مبرر الحفاظ على ثوابت المذهب .
ـ يبدع المتدينون في مجالسهم الخاصة في تشريح آخرين و التعريض بهم ، تحت مبرر أنهم متجاهرون بالفسق تجوز غيبتهم .
ـ تموت امرأة طاعنة في السن أثناء رمي الجمرات أو طواف الحج الأكبر لأنها تعتقد بعدم إجزاء الرمي في الدور الأعلى ، و عدم جواز الطواف خارج مقام إبراهيم ع ، رغم أن المسألة احتياطية يمكن الرجوع فيها الى مجتهد آخر.
ـ يحرم زوجان من الإنجاب عشرات السنين لأن سماحة الشيخ أخبر الزوج بعدم جواز الكشف على المرأة لأن الإنجاب لا يعتبر ضرورة شرعية .
لقد كان لإبليس مبرر مقنع من وجهة نظره حين امتنع عن السجود لآدم ع ..
و قد كان لبني إسرائيل تساؤل حقيقية عن مواصفات البقرة التي أمرهم الله تعالى بذبحها .
و قد كان لقتلة الإمام الحسين ع نية مبيتة للتوبة النصوحة بعد جريمتهم الكبرى .
أيها الأحبة ..
تختلف حقيقة الواقعة الشرعية عن فهمنا لذات الواقعة ..
لدينا مساحة كبيرة من المباح
لسنا مضطرين أن نسأل عن لون البقرة
و شكلها
و حجمها
من السهل أن نجد مبررا مقنعا لمواقفنا الشخصية و أن نشرعن لأنفسنا قتل شخص و سب آخر ، و تكفير طائفة و تفسيق أخرى ، وتصنيف الناس إلى زنادقة و ونواصب و مجوس ، و أن نعد قائمة طويلة بأسماء من سيكون معنا في الجنة .. ومن سيكون مع غيرنا في النار .
لكن ....
للحديث بقية
دمتم بود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق